كالنار في الهشيم تزداد وتيرة التقدم التكنولوجي وثورة المعلومات الحديثة، حتى أصبح العالم الرقمي واقع لا نستطيع إنكاره، يؤثر بصورة كبيرة على النشء والأطفال، وبرغم من إيجابياته إلا أنه يحمل الكثير من السلبيات من خلال تعرض الأطفال إلى ثقافات مغايرة لا تتفق مع الثقافات الشرقية وهوية المجتمع وعاداته وتقاليده.
وهذا الغزو الثقافي الرقمي يؤثر بالسلب على الطفل ما يجعله يشعر بالعزلة عن المجتمع والوحدة وعدم الانتماء لوطنه أودينه، لاسيما إمكانية تعرضه لبعض التهديدات الأخرى خلال تعامله مع هذ العالم الافتراضي سواء الإبتزاز بكافة أنواعه أواستقطابه في ممارسات غير أخلاقية، أوالانخراط وراء أفكار متطرفة من خلال اصطياده من قبل جماعات لها اجندات خاصة، كل هذا لا يهدد الطفل فقط ولكن يهدد الأمن القومي للبلاد وعدم الاستقرار ويصبح النشء بعيد كل البعد عن الهوية الثقافية والمسؤولية المجتمعية والوطنية .
ويكمن السر في علاج هذه الكارثة التي تهدد الأطفال والأمن القومي في التربية الرقمية، فلا يمكن أن يعيش الأطفال في معزل عن الثورة التكنولوجية الحديثة أو منعهم منها، ولكن الحل يأتي من إدارة الموقف وتهيئتهم وتغيير الواقع من سلبي إلى إيجابي، وتربية الأطفال على الاستخدام الأخلاقي والآمن للتكنولوجيا.
ولذلك يجب تضافر الجهود بين مؤسسات الدولة والتنشئة التعليمية والأسرة للوعي بأهمية التربية الرقمية، من أجل الاستخدام الإيجابي للتكنولوجيا وتفادي الأضرار والسلبيات والتهديدات، وتوعية الأطفال وتثقيفهم بحقوقهم وواجباتهم في هذا العالم الافتراضي، ومشاركتهم الفعالة وكيفية الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في التعلم وتنمية المهارات واكتساب المهارات ومواكبة التطور، ولكن بطرق أخلاقية وآمنة تحميهم من تلك التهديدات الثقافية أو التعرض للجرائم الإلكترونية المختلفة.
وتبدأ التربية الرقمية من الأسرة التي عليها أن تتفهم حجم التحديات التي يواجها الطفل في العالم الرقمي، وتعمل على توعيته وحمايته ومراقبته بصورة سليمة، ولايتركوا أطفالهم فريسة لهذا العالم الذي يهدد عقولهم وحياتهم في بعض الأوقات… ولكن بالتربية الرقمية تصبح الأطفال آمنة.
وأيضا المدرسة لها دور في حماية الطفل من خلال تعلمه الاستفادة من التكنولوجيا في التعلم والاستخدام الناقد للتكنولوجيا لينتقي ما يناسب تقاليد وثقافة المجتمع ويبتعد عن كل ما هو مخالف للقيم والمبادئ وحتى يمتلك حصانة ثقافية أمام هذا الغزو الرقمي.
كما يمكن للإعلام أن يكون له دور لا يستهان به في نشر التربية الرقمية، فعلى الإعلام أن يضع في سياساته الإعلامية برامج توعية للأطفال للاستخدام الإيجابي والأمن للتكنولوجيا.
وعلينا الاعتراف أننا أمام حرب رقمية شرسة وغزو ثقافي خارجي لم نشهده من قبل، ولكي ننتصر، علينا أن نجيد إدارة المعركة لصالح سلامة أطفالنا وسلامة الأمن القومي من خلال التربية الرقمية.