📅 ... 🕒 ...

أسماء حامد تكتب: المخدرات.. العدو الخفي وراء انتشار العنف ضد النساء

كالنار في الهشيم، انتشرت في الآونة الأخيرة جرائم العنف ضد النساء والفتيات، والأكثر قلقا وقسوة أن أغلب هذه الجرائم تتم داخل منظومة الأسرة كنوع من أنواع العنف الأسري، الذي تجاوز حد السب أو الضرب العادي، ووصل الأمر إلى ممارسة أبشع أشكال التعذيب الوحشي أو قتل صادم يهز الرأي العام.

وهنا تثار التساؤلات: كيف نمتلك كل هذه القوانين والتشريعات التي تجرم العنف بكل أشكاله، بينما لا تزال معدلاته في ازدياد؟ لذلك علينا أن نبحث داخل الظواهر المستحدثة في المجتمع، لنجد أن الكارثة الأكبر التي تشعل وقود العنف ضد النساء هي انتشار تعاطي المخدرات والإدمان بين الشباب، الأمر الذي يساهم بشكل مباشر وغير مباشر في تفاقم معدلات العنف الأسري والمجتمعي الموجه ضد النساء، لأن العلاقة بين المخدرات والعنف ضد النساء ليست مجرد علاقة عارضة، بل حلقة مفرغة تتشابك فيها الأبعاد النفسية والسلوكية والاجتماعية.

كما أكدت تقارير منظمات دولية معنية بالعنف الأسري أن نسبة كبيرة من حالات الاعتداء على النساء ترتبط بشكل مباشر بتعاطي أحد أفراد الأسرة للمخدرات، وغالبا ما يكون الزوج أو الابن.

وأثبتت دراسة عربية حديثة عام 2024، وجود علاقة ذات دلالة إحصائية بين تعاطي المخدرات والعنف داخل الأسرة، لأن إدمان المخدرات لا يغير فقط الحالة المزاجية، بل يخلق مشاعر عدوانية، وفقدانا للسيطرة، وانهيار في قدرة الشخص على اتخاذ قرارات متزنة، وتأتي النساء في مقدمة من يدفعن ثمن هذا السلوك المدمر وتعاطي ذويهن لأنواع المخدرات المختلفة.

وتأتي الكارثة الكبرى في انتشار أنواع جديدة وأكثر خطورة من المخدرات التقليدية المشتقة من النباتات، وظهور المواد التخليقية التي تسبب إدمانا أسرع مثل “الشابو” و”الآيس” و”الاستروكس” وغيرها من المسميات الغريبة، والتي تسبب أضرارا جسيمة للمتعاطي، وهلاوس واضطرابات عقلية، فضلا عن تغيير جذري في السلوك.

وعندما تؤثر هذه المواد المخدرة على وظائف الدماغ والسلوك، تصبح سبب مباشر لزيادة السلوك العدواني لدى المتعاطي، إذ يفقد السيطرة على تصرفاته وتزداد العدوانية والتهيج، وبالتالي تشتعل المشكلات الأسرية والصراعات الحادة والمشاجرات الصاخبة داخل الأسرة الواحدة، ويصبح المدمن أكثر عرضة لممارسة العنف الجسدي واللفظي والنفسي ضد زوجته وأفراد أسرته، والتي تصل في بعض الأحيان إلى قتلهم كما شهدنا في الجرائم المؤسفة الأخيرة، حيث قتل زوج زوجته أو أبناءه.

ولا يتوقف الأمر عند التدهور العقلي، فالتدهور الاقتصادي الناتج عن الإدمان يزيد المأساة، إذ يلجأ المتعاطي غالبا إلى سرقة أموال أو ذهب زوجته أو والدته أو حتى ابنته للحصول على جرعاته، ما يرفع مستويات التوتر ويضاعف احتمالات انفجار العنف داخل الأسرة.

إننا أمام كارثة مجتمعية حقيقية، لأن هذا النوع من العنف المبني على تعاطي المخدرات لم يعد قضية أسرية تخص بيت بعينه، بل قضية أمن قومي تهدد المجتمع ككل، والاعتراف بالمشكلة خطوة أولى لا بد منها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.

وفي ختام حملة الـ16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة، علينا أن ندق ناقوس الخطر بشأن أخطر أسباب العنف المنتشرة ضد النساء والفتيات، والتي تهدد المجتمع ككل، ونهيب بمؤسسات الدولة أن تتكاتف، ليس فقط لتطبيق القوانين، بل للحد من المخدرات، فهي العدو الأكبر للنساء وللأمن القومي، مع ضرورة إطلاق برامج للوقاية والوعي من خلال حملات مكثفة تستهدف الأسر والمجتمع لبيان خطورة المخدرات وعلاقتها بالعنف، وكذلك تطوير القوانين لتواكب الظواهر الحديثة، وحماية النساء من العنف الأسري، مع ضمان تطبيق العقوبات الرادعة على مرتكبي العنف، لا سيما المرتبطين بحالات الإدمان.

فالمخدرات ليست مجرد مشكلة فردية تؤذي الشخص المتعاطي، بل سبب خطير وراء إحدى أخطر الظواهر الاجتماعية وأكثرها قسوة… العنف الأسري.

وللحديث بقية..

Facebook
X
WhatsApp
Telegram

كلمات مفتاحية