📅 ... 🕒 ...

المستشار محسن السبع يكتب: حين يصبح القانون سيفاً ذا حدّ واحد… هل ما زالت المرأة تُظلم بأسم العدالة؟

في كل مدينة عربية، تستطيع أن تسمع قصة لامرأة تقف على باب محكمة الأسرة، تحمل في يدها أوراقًا أثقل من قلبها، وأملاً يتآكل مع الوقت. ليست كل الجراح تُصنع باليد… بعضها يُصنع بالحبر. وبعض العنف لا يُمارَس في غرف مغلقة، بل يُمارَس في ساحات المحاكم وتحت سقف النصوص.

العنف الحقيقي ليس دائماً صراخاً أو صفعة… أحياناً يكون نصاً قانونياً بارداً يترك امرأة تقفز فوق سبع بوابات لتصل إلى حقّ يستطيع رجل أن يحصل عليه بكلمة.

عنف لا يُرى… لكنه يوجع

في مجتمعات كثيرة، ما زال القانون — أو بعض مواده — يشبه مرآة قديمة تُظهر المرأة نصف إنسان، أو مواطناً ينتظر توقيعاً ذكورياً كي يحيا كما يريد.

مريم، أم لطفلين، قضت ثلاثة أعوام كاملة في محاكم الأسرة لتثبت أنها تتعرض لعنف أسري دائم. لم تكن مشكلتها في غياب الأدلة، بل في غياب نصوص رادعة. زوجها خرج بكفالة، بينما خرجت هي بصلابة أقل، وحياة أكثر قسوة.

أما سلمى، فكانت تبحث عن الطلاق بعد زواج دام سبع سنوات. زوجها استطاع أن يُنهي العلاقة بثوانٍ، بينما هي احتاجت إلى جلسات وجلسات، وملفات وقرارات، ولحظات من الانكسار كي تحصل على ما يسمى “حقها”.

حين يتحول الانتظار إلى نوع من العقوبة

أسوأ أنواع الظلم الذي تواجهه المرأة ليس فقط ما ينص عليه القانون… بل ما يصمت عنه.
هناك قوانين لم تعد تناسب واقع المرأة اليوم، ولكنها ما زالت تُطبق وكأن الزمن لم يمر.

امرأة أخرى — لنسمّها هبة — فقدت حضانة طفلها لأنها لم تستطع توفير “سكن مناسب” خلال فترة نزاع طويل. بينما الطرف الآخر، المدعوم بوقت ومال وسلطة، كسب معركة لم يكن الطفل فيها سوى ورقة تفاوض.

العنف الاقتصادي… الجرح الصامت

كثير من النساء يواجهن نوعًا آخر من العنف: العنف المالي المقنّع بالقانون.
نفقة قليلة لا تكفي إطعام طفل، أو إجراءات طويلة تجعل المرأة تتردد قبل المطالبة بحقها.
مثال ذلك امرأة تعمل ليل نهار لتعول أطفالها، بينما حكم النفقة الصادر لصالحها — رغم مرور أشهُر — لم يُنفذ بعد.

ماذا عن العنف في بيئة العمل؟

كم من امرأة فقدت منصبها بسبب حملها؟
وكم منهن تراجعن عن تقديم شكاوى تحرش خوفاً من محضر يُدفن أو سمعة تُشوَّه؟
القانون موجود، نعم… لكن تطبيقه أحياناً أبطأ من وجع الضحية.

عنف مُغطّى بالورق

المفارقة أن بعض النصوص أُنشئت لحماية المرأة، لكنها في التطبيق تتحول إلى عبء.
المرأة التي تريد إثبات حقها تمر عبر متاهة الإجراءات، بينما الرجل — بدعم من النصوص الموروثة — يختصر الطريق بامتياز تاريخي.

ومع ذلك… الضوء يأتي من بعيد

رغم كل ذلك، بدأت كثير من الدول في تعديل القوانين وتكثيف الحماية.
ظهرت محاكم أسرع، ومراكز حماية، وقوانين جديدة للعنف الأسري والتحرش، ومحاولات واضحة لجعل المرأة شريكاً لا تابعاً.

لكن الطريق ما زال طويلاً… والعدالة لا تزال تبحث عن ميزان أكثر عدلاً.

الخلاصة

نعم، هناك قوانين تظلم المرأة. وهناك تطبيق قانوني يزيد من الألم.
لكن الحقيقة الأعمق هي أن المرأة لا تحتاج فقط إلى نصوص… بل إلى عدالة لا ترتجف، وإجراءات لا تتواطأ مع الزمن، ومشرّع يرى المرأة كاملة لا نصف حقّ.

حتى ذلك الحين، ستبقى قصص مريم وسلمى وهبة تتكرر…
وستبقى المرأة تقف بين قانونٍ يتغير ببطء، وواقع يريدها أن تصمت بسرعة.

Facebook
X
WhatsApp
Telegram

كلمات مفتاحية