في كل عام ومع انطلاق حملة الـ16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة يتجدد السؤال الأهم: هل يكفي وجود النصوص القانونية لتحقيق الحماية الفعلية للنساء؟ أم أن المسافة بين القانون والواقع ما زالت قائمة رغم كل ما تحقق من تقدم؟.
لا شك أن مصر قطعت شوطا مهما في بناء منظومة تشريعية تهدف إلى حماية المرأة من العنف والتمييز.
فخلال العقد الأخير شهدت الساحة القانونية تعديلات جوهرية في قانون العقوبات شملت تجريم التحرش الجنسي بأشكاله كافة وتغليظ العقوبات على مرتكبي جرائم الاغتصاب والعنف الأسري فضلا عن إدخال مواد جديدة لمواجهة ظواهر حديثة مثل التنمر والابتزاز الإلكتروني.
كما أنشئت وحدات مختصة داخل النيابة العامة ووزارة الداخلية لتلقي بلاغات العنف ضد المرأة وهو ما أضفى بعدا مؤسسيا على التنفيذ لا يقتصر على الجانب التشريعي فقط.
غير أن هذه المنظومة رغم أهميتها تواجه معوقات متشابكة تحد من فاعليتها على أرض الواقع.
أولها غياب قانون موحد لمناهضة العنف الأسري يجمع بين الحماية الجنائية والإجراءات الوقائية والدعم النفسي والاجتماعي.
فالقوانين الحالية تتعامل مع الوقائع كل على حدة دون إطار شامل يربط بين الجريمة والسياق الأسري والاجتماعي الذي تنتج عنه.
أما ثانيها فهو بطء إجراءات التقاضي الذي يجعل كثيرا من النساء يتراجعن عن الإبلاغ خشية الوصم أو الإطالة في المحاكم.
وتأتي الثقافة المجتمعية كأحد التحديات الأبرز حيث لا تزال بعض المفاهيم تحمل المرأة مسؤولية ما تتعرض له من عنف أو تعتبر الإبلاغ “فضيحة” وليست حقا.
ورغم هذه المعوقات فإن الدولة المصرية أظهرت خلال السنوات الأخيرة إرادة جادة لتطوير منظومة العدالة سواء من خلال التدريب المتخصص للقضاة وأعضاء النيابة والشرطة على قضايا النوع الاجتماعي أو من خلال دعم المجلس القومي للمرأة في التوعية والرصد والمناصرة القانونية.
كما أطلقت وزارة التضامن برامج لإعادة تأهيل الناجيات ودمجهن في الحياة العامة في خطوة تعد ركيزة للتمكين بعد الحماية.
لكن يبقى المطلوب اليوم هو نقلة نوعية من النص إلى التطبيق الكامل عبر تشريع موحد لمناهضة العنف ضد المرأة يراعي البعد الوقائي ويعزز العدالة الناجزة ويؤسس لشراكة مستدامة بين أجهزة الدولة والمجتمع المدني.
فالقانون وحده لا يكفي إن لم يدعم بإرادة مجتمعية ترى في العنف ضد المرأة جريمة تمس الأمن الإنساني قبل أن تمس الفرد.
إن إنصاف المرأة لا يقاس بعدد القوانين بل بمدى قدرتها على العيش بأمان وكرامة داخل أسرتها ومجتمعها
وهنا فقط يصبح النص القانوني انعكاسا حقيقيا لواقع إنساني عادل.






