📅 ... 🕒 ...

دينا عامر تكتب: “المرأة في قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025.. قراءة في المكتسبات وتحديات الواقع”

في عالم القانون، لا تقاس قيمة التشريعات بجمال نصوصها فحسب، بل بصدى أثرها في حياة الناس.

وفي مايو 2025، شهدنا ميلاد قانون العمل الجديد رقم 14، الذي جاء ليخلف سلفه الصادر عام 2003، حاملاً معه تعديلات جوهرية بدت وكأنها تستجيب لصوت طالما نادى بالإنصاف: وهو صوت المرأة العاملة

لقد وضع المشرع نصب عينيه حماية الأمومة، وسد فجوات التمييز، ورسم ملامح بيئة عمل تتيح للمرأة أن تحقق توازنًا دقيقًا بين طموحها المهني ورسالتها الأسرية

بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: هل يكفي النص التشريعي وحده ليصنع واقعًا جديدًا؟

لو نظرنا للحقوق التي كرسها القانون: نظرة على المكتسبات

لقد جاء القانون الجديد بمثابة ترس حماية للمرأة، مانحًا إياها حقوقًا كانت في السابق أحلامًا بعيدة المنال.

ومن هذا الجانب، نجد أن المشرع قد أرسى دعائم قوية لحقوقها، لا سيما في الجوانب الآتية:

أولًا، فيما يتعلق بإجازة الأمومة، فقد امتدت من تسعين يومًا إلى مائة وعشرين يومًا مدفوعة الأجر بالكامل.

وهذا التمديد ليس مجرد زيادة في الأيام، بل هو اعترافٌ ضمني بأهمية الفترة الأولى من حياة الطفل وحق الأم في أن تكون بجانبه دون قلقٍ من فقدان مصدر رزقها.

والأمر الآخر الذي لا يقل أهمية، هو رفع عدد مرات الحصول على هذه الإجازة إلى ثلاث مرات خلال مسيرتها المهنية، مما يمنحها مرونة أكبر في التخطيط لحياتها الأسرية.

ثانيًا، وإدراكًا للمشقة التي تمر بها المرأة خلال فترة الحمل، أقر القانون تخفيض ساعات عملها اليومية ساعة كاملة اعتبارًا من الشهر السادس، كما فرض حظرًا مطلقًا على تكليفها بأي عمل إضافي منذ ذلك الحين وحتى مرور ستة أشهر على الولادة. وعلاوة على ذلك، لم يترك القانون مصير المرأة معلقًا بعد انتهاء إجازتها، بل ألزم صاحب العمل بضمان عودتها إلى منصبها الأصلي أو منصب مكافئ له، ليقطع الطريق على أي محاولة لاستبعادها.

ثالثًا، وفي خطوة تعكس فهمًا عميقًا للاحتياجات الأسرية، منح القانون للمرأة في المنشآت التي يعمل بها خمسون عاملًا فأكثر، حقًا أصيلًا في الحصول على إجازة غير مدفوعة الأجر لمدة تصل إلى عامين لرعاية طفلها.

أما على صعيد المساواة، فقد نص القانون صراحةً وبشكل لا يقبل التأويل على مبدأ “الأجر المتكافئ عن العمل المتكافئ”، ليضع حجر الأساس في صرح العدالة الحقيقية بين الرجل والمرأة.

ولا يقدح في أهمية ما سبق، أن القانون تصدى بحزم لظاهرة التحرش، فوضع له تعريفًا واضحًا في بيئة العمل، معتبرًا إياه ممارسة محظورة تستوجب العقاب.

ولكن بين النص والتطبيق: تحديات على أرض الواقع

على الرغم من أن هذه النصوص تبدو كخطوة عملاقة إلى الأمام، إلا أن الطريق من التشريع إلى التطبيق الفعلي محفوف بالعقبات.

فالتحديات التي تواجهنا ليست بالقليلة؛ فمن ناحية، يقف حاجز الجهل بالحقوق، فما قيمة الحق إذا كان صاحبه لا يعلمه؟ ومن ناحية أخرى، يبرز تحدي غياب الرقابة الفعالة، فبدون آليات صارمة، قد تتحول هذه الحقوق إلى مجرد توصيات.

يضاف إلى ذلك، سطوة الموروث الاجتماعي الذي قد يضع المرأة تحت ضغط هائل عند مطالبتها بحقوقها.

ولا ننسى الأعباء الاقتصادية التي قد تدفع أصحاب المنشآت الصغيرة للتحايل على القانون.

وختامًا، لا شك أن قانون العمل الجديد يمثل وثيقة تاريخية في مسيرة تمكين المرأة العاملة في مصر. إنه ليس مجرد تعديل تشريعي، بل هو إعلان نوايا واضح من الدولة نحو بناء مجتمع أكثر إنصافًا. لكن العبرة دائمًا في التنفيذ.

فإذا تُرجمت هذه الحقوق إلى واقع ملموس في كل مصنع وشركة ومكتب، فسنكون قد شهدنا بالفعل نقطة تحول حقيقية نحو بيئة عمل تحفظ للمرأة كرامتها، وتقدر عطاءها، وتضمن لها مكانتها التي تستحقها.

دينا عامر.. المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة

Facebook
X
WhatsApp
Telegram

كلمات مفتاحية