أعلن المنتدى الاقتصادي العالمي في يونيو 2025 عن تقرير الفجوة بين الجنسين العالمي، كاشفًا عن استمرار التقدّم البطيء عالميًا نحو التكافؤ. فقد أُغلق 68.8% من الفجوة، مع بقاء الفجوة السياسية الأكبر، وتقدير أن العالم لن يبلغ المساواة الكاملة قبل مرور 123 عامًا.
على المستوى الإقليمي، يظل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ذيل الترتيب بنسبة 61.7%. أما مصر فجاءت ضمن أدنى عشرة اقتصادات عالميًا (62.5%، المركز 139 من 148)، في تراجع جديد يعكس قصورًا هيكليًا في تحويل مكاسب التعليم والصحة إلى مشاركة اقتصادية وسياسية فعلية.
لماذا هذا التراجع؟
من منظور هيكلي، يمكن رصد ثلاث فجوات رئيسية:
1. الاقتصاد: مشاركة النساء في سوق العمل لا تزال محدودة، مع فجوات واضحة في الأجور والترقّي.
2. السياسة: التمثيل البرلماني والوزاري يظل هشًا، يعكس مكاسب رمزية أكثر منها بنيوية.
3. القيادة والمهارات: السقف الزجاجي مستمر، والتعليم لا يتحول إلى فرص عمل أو مناصب مؤثرة.
المفارقة الكبرى
المجتمع المدني المصري — وخاصة الجمعيات النسوية — يعمل منذ سنوات على التوعية، التدريب، والدفاع عن حقوق المرأة. مبادرات للتشغيل، منصات للدعم القانوني، حملات توعية ضد العنف والتحرش… كل هذا حاضر وبقوة.
إذن، يفرض السؤال نفسه:
هل من الطبيعي أن تأتي مصر في ذيل المؤشر رغم كل هذا النشاط الأهلي؟
هل نحن أمام تحوّر جديد لآليات القمع، أكثر نعومة وأقل وضوحًا، لم يتم رصده بعد؟
أم أن ما يجري مجرد شعارات متبادلة بين المجتمع المدني والحكومة، تُطلق بلا أثر عملي، لتجد طريقها إلى آذان صمّاء من الجنسين معًا؟
أزمة الشراكة المفقودة
قد يكون جوهر المشكلة في غياب التناغم بين الجهود المدنية والسياسات الحكومية. المجتمع المدني يُحارب على جبهات الوعي والتمكين، بينما تواجهه بيروقراطية مثقلة، تشريعات مترددة، وسوق عمل غير مستعد لاستيعاب المرأة. النتيجة: الفجوة تتعمق، والمؤشرات تتراجع، فيما تبقى الإنجازات حبيسة التقارير والمناسبات.
نحو قفزة نوعية
التحدي لم يعد في مجرد حملات دعائية أو إعلانات مناسباتية، بل في إجراءات بنيوية صلبة:
إصلاحات سوق العمل: حوافز تشغيل، مرونة وظيفية، وخدمات رعاية.
إرادة سياسية جريئة: نسب إلزامية للتمثيل البرلماني والوزاري، مع مراجعة دورية.
مؤشرات شفافة: نشر فجوة الأجور النوعية سنويًا.
مسارات قيادة حقيقية: تمكين نساء في مراكز صنع القرار، لا في مواقع رمزية.
ختاما
تقرير 2025 ليس مجرد أرقام جامدة؛ هو مرآة تعكس مأزقًا اجتماعيًا وسياسيًا في مصر. فإذا كانت الصحة والتعليم على وشك الاكتمال، فلماذا تُسجّل مصر أحد أدنى مستويات التمكين عالميًا؟
الإجابة لن تأتي من جداول المنتدى الاقتصادي العالمي وحدها، بل من مواجهة صريحة مع أنفسنا: هل ما نفعله حقيقي وفعّال؟ أم أننا نعيد إنتاج دوامة شعارات لا تجد طريقها إلى التطبيق؟