منذ فجر الإسلام، حملت تعاليمه السامية رؤية واضحة وشاملة لمكانة المرأة، رؤية تعكس تكريمًا عميقًا ودورًا محوريًا في بناء المجتمع، لم يكن الإسلام مجرد دين يعترف بوجود المرأة، بل جاء ليرفع من شأنها، ويصون حقوقها، ويكرمها في مختلف جوانب حياتها، في وقت كانت فيه العديد من الحضارات الأخرى تنظر إليها بدونية أو تحرمها من أبسط حقوقها.
لقد جاء الإسلام ليثبت أن المرأة والرجل كائنان متساويان في الإنسانية والكرامة أمام الله القرآن الكريم يؤكد هذه المساواة في آيات عديدة، منها قوله تعالى: “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساءً” (النساء: 1) هذه الآية تؤسس لمبدأ أن أصل الخلق واحد، وأن كلاهما ينحدر من نفس واحدة، مما ينفي أي تفضيل أصلي على أساس الجنس.
من أبرز مظاهر تكريم الإسلام للمرأة مساواتها بالرجل في القيمة الإنسانية والمسؤولية الدينية. يقول تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (النحل: 97). فقد جعل الإسلام الإيمان والعمل الصالح معيار التفاضل، لا الجنس كما خصَّ النبي ﷺ النساء بتعليمٍ مباشرٍ، فكان لهنَّ يومٌ للعلم في المسجد، وقال: “استوصوا بالنساء خيرًا” متفق عليه
لم يتوقف تكريم الإسلام للمرأة عند المساواة في الأصل، بل امتد ليشمل حقوقها وواجباتها فمن أبرز مظاهر هذا التكريم:
حق التعلم وطلب العلم حث الإسلام على طلب العلم للجميع، رجالًا ونساءً، دون تمييز. كانت هناك العديد من النساء العالمات والفقيهات في التاريخ الإسلامي، مما يؤكد أن العلم ليس حكرًا على الرجال. الرسول صلى الله عليه وسلم قال “طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.”
حيث منح الإسلام المرأة حقوقًا مالية مستقلة، فلها ذمتها المالية الخاصة، وتستطيع أن تتملك وتتصرف في مالها بحرية تامة دون الحاجة إلى إذن من ولي أمرها أو زوجها كما جعل لها حق الميراث وحق النفقة، وحق المهر، وهي حقوق لم تكن تتمتع بها المرأة في العديد من المجتمعات قبل الإسلام.
ولم يحرم الإسلام المرأة من المشاركة في الحياة العامة فقد شاركت النساء في عهد النبوة والخلافة الراشدة في مجالات مختلفة، من الرعاية الصحية في المعارك إلى إبداء الرأي وتقديم المشورة بيعة النساء للرسول صلى الله عليه وسلم دليل على حقهن في التعبير عن رأيهن والمشاركة في القرارات المجتمعية.
رغم وضوح النصوص، إلا أن الممارسات المجتمعية في بعض البيئات قد تشوبها عاداتٌ تتعارض مع روح الإسلام فالحِجر على تعليم المرأة، أو حرمانها من الميراث، أو تزويجها قسرًا، هي انتهاكاتٌ لا تمتُّ إلى الشريعة بصلة هنا يأتي دور العلماء والمؤسسات الدينية في تصحيح المفاهيم، مثل مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الذي أصدر وثائقَ لحماية حقوق المرأة.
وأولى الإسلام اهتمامًا بالغًا بدور المرأة كأم وزوجة وابنة وأخت فقد رفع من مكانة الأم لدرجة عظيمة، وجعل برها مقدمًا على بر الأب قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “الجنة تحت أقدام الأمهات”. كما حث على حسن معاملة الزوجة، وجعل المودة والرحمة أساس العلاقة الزوجية.
لقد كانت المرأة المسلمة على مر العصور شريكًا فاعلًا في بناء الحضارة الإسلامية، لم تكن مجرد تابع، بل كانت رائدة في شتى المجالات. من سيدات الفقه والعلم، إلى رائدات الأعمال والخير، كان لها دور لا يقل أهمية عن دور الرجل في تقدم المجتمع وازدهاره.
إن الإسلام ينظر إلى المرأة ككيان كامل، لها عقلها، وروحها، وإرادتها، وقدراتها. وقد وهبها من الحقوق ما يجعلها قادرة على أداء دورها بفاعلية في كل من الأسرة والمجتمع، دون أن تنتقص من أنوثتها أو تفرط في مسؤولياتها الأساسية.
ويعتبر تكريم المرأة في الإسلام ليس مجرد شعار، بل هو منهج حياة ينظم العلاقة بين الرجل والمرأة على أساس العدل، والمساواة في الكرامة، والاحترام المتبادل، والشراكة في بناء أسرة ومجتمع قوي ومتماسك. إن هذه المبادئ هي ما يجب أن نستلهمه ونعمل به في زماننا هذا، لنعيد للمرأة المسلمة مكانتها اللائقة التي أرادها لها دينها الحنيف.