📅 ... 🕒 ...

دينا عامر تكتب: “النساء وقانون الإيجار القديم.. ما بين فخ التشرد وحق السكن الآمن”

لم يكن السكن يومًا مجرد أربعة جدران وسقف يحتمي تحته الإنسان، بل هو الحق الأول في الأمان والاستقرار والكرامة.
وفي مصر، حيث تعيش آلاف النساء المعيلات والمسنات والناجيات من العنف في وحدات تخضع لقانون الإيجار القديم، يصبح تعديل هذا القانون حدثًا يهزّ أركان حياتهن بالكامل.

ومع إقرار التعديلات الجديدة على قانون الإيجار القديم، والتي جاءت بهدف تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر وتحريك سوق العقارات، تبرز تساؤلات حقيقية:
ماذا عن النساء اللاتي وجدن في هذا القانون ملاذًا من قسوة الحياة؟ هل سنراهن على أرصفة الشوارع قريبًا؟ وهل تُرك لهن متّسع من الحماية في ظل هذه التحولات التشريعية المفاجئة؟

بين القانون والواقع.. المرأة هي الخاسر الأكبر

النساء – وبالأخص المعيلات – هن الحلقة الأضعف في هذه المعادلة.
كثيرات منهن اعتمدن على وحدات إيجار قديم كمصدر سكن آمن بتكلفة رمزية، وسط أوضاع اقتصادية خانقة.
منهن الأرامل، والمطلقات، ومن تحملن أعباء أسر كاملة دون شريك أو دخل ثابت.

تُظهر الشكاوى والاستشارات القانونية الميدانية أن إنهاء هذه العقود، دون بدائل واضحة، لا يعني فقط فقدان المسكن، بل تفكك أسر، وأطفال خارج المدارس، ونساء في مواجهة مباشرة مع الشارع.
النساء المسنات اللاتي لا يملكن معاشًا كافيًا ولا سندًا اجتماعيًا، مهددات بأن يُنتزَع منهن ما تبقّى من استقرار في خريف العمر. والناجيات من العنف الأسري، اللواتي وجدن في هذه الشقق ملاذًا آمنًا، قد يجدن أنفسهن مجبرات على العودة إلى أماكن الخطر أو التشرّد.
دستورٱ يحمي.. وتطبيق يتلكأ
ينص الدستور المصري في مادته (11) على التزام الدولة بحماية المرأة من كافة أشكال العنف، وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.
لكن التعديلات التي جرت على قانون الإيجار، وإن كانت قانونية ومنطقية من زاوية حقوق الملكية، إلا أنها لم تُقابل بخطط تنفيذية حقيقية تضمن التوازن المطلوب.
وهنا يكمن الخطر: أن يتحول القانون من أداة تنظيم إلى مصدر تهديد، إن لم تُقرَن التشريعات بسياسات حمائية واضحة للفئات الهشة.
مطلوب شبكة أمان لا مجرّد وعود
حتى لا تتحول هذه التعديلات إلى أزمة اجتماعية متفاقمة، يجب أن يتحرك صانع القرار في اتجاه موازٍ يضمن حماية النساء المتضررات، عبر:
1. برامج إسكان اجتماعي مخصصة للنساء المعيلات وكبار السن، تضمن استمرار سكنهن بكرامة.
2. صناديق دعم الإيجار تغطي الفجوة بين الإيجارات الجديدة وقدرتهن المالية.
3. وحدات طوارئ مؤقتة للنساء المعرضات لخطر التشرد.
4. مكاتب مساعدة قانونية متخصصة في قضايا الإيجار تقدم دعمًا مباشرًا للمستأجرات المتضررات.
5. حملات توعية قانونية بلغة بسيطة عبر الإعلام ومنظمات المجتمع المدني لتوعية النساء بحقوقهن.
6. لجنة حكومية تنسيقية تجمع بين الإسكان والتضامن والعدل والمجلس القومي للمرأة، لرصد وتنفيذ حلول عملية عاجلة.

المعادلة الممكنة: عدالة للمالك وأمان للمستأجرة
لسنا ضد حقوق الملاك، فهم أيضًا عانوا طويلًا من تجميد ممتلكاتهم، ولكن العدالة لا تتحقق بخلق ضحايا جدد.
المطلوب هو رؤية إنسانية شاملة تحفظ الملكية وتوفر بدائل حقيقية للمستأجرين، خاصة النساء.

في النهاية، إن حماية المرأة في قضايا السكن ليست ترفًا اجتماعيًا، بل التزامًا دستوريًا وإنسانيًا، يعكس مدى نضج الدولة ومؤسساتها.
ولعلّ الأيام القادمة تحمل إجابات عملية، لا مزيدًا من التسويف، قبل أن تصبح الأرصفة بيوتًا لنساء أنهكتهن الحياة والقوانين معًا.

 

دينا عامر.. المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة

Facebook
X
WhatsApp
Telegram

كلمات مفتاحية