📅 ... 🕒 ...

رباب العشري تكتب عن العنف الخفي (3): التهميش السياسي… حين تتحوّل المرأة إلى مقعد بلا صوت

يظلّ العنف ضد المرأة عادةً مرتبطًا في أذهان الناس بالصوت العالي والاعتداء المباشر. لكن أخطر أنواعه هو ذلك العنف الصامت، الذى يتخفّى خلف الشعارات، ويُمارَس بأدوات تبدو في ظاهرها “محترمة”. ومن أكثر صوره قسوة: التهميش السياسي للمرأة.

فعلى الرغم من الحديث المتكرر عن دعم مشاركة المرأة في الحياة العامة، ما زالت هناك منظومات تُصرّ على أن السياسة “مساحة للرجال”، وتتعامل مع وجود المرأة على أنه مجرد استثناء أو ضرورة شكلية. فيُفتح الباب نظريًا، ثم يُغلق عمليًا أمام كل امرأة تمتلك رأيًا مستقلًا أو حضورًا قويًا.

اختيارات مقصودة… وعنف صامت

واحدة من أخطر صور هذا العنف تتمثل في اختيار شخصيات نسائية بلا رأي أو فكر أو خبرة مؤثرة، لتمثيل المرأة في البرلمان والمجالس المنتخبة.
اختيارات لا تستهدف التمكين بقدر ما تستهدف “التحكّم”، ولا تستهدف المشاركة بقدر ما تستهدف “التزيين”.

حين يتم تجاهل نساء يتمتعن بالكفاءة والخبرة والاستقلالية، لصالح أخريات لا يمتلكن القدرة على المبادرة أو التأثير، فهذه ليست مجرد مشكلة تمثيل…
بل هي ممارسة عنف سياسي ضد المرأة صاحبة الفكر والرأي.

إنها عملية إسكات ناعمة—لا تُقصي المرأة بشكل مباشر، ولكنها تُقصي المرأة القوية تحديدًا، وتمنح المساحة لمن لا يزعجن أحدًا، ولا يحرّكن ساكنًا، ولا يطالبن بحق.

وجود بلا تأثير

لا تزال مشاركة المرأة في العديد من مواقع القرار مشاركة شكلية:
حضور في الصورة… غياب في القرار.
تصفيق على المنصّات… ومنع من دخول غرف صناعة السياسات.

النتيجة هي تمييع دور المرأة وتحويله إلى حضور رمزي، بينما يتم استبعاد الرائدات القادرات على النقاش، والقيادة، وصياغة رؤية حقيقية تخدم المجتمع.

التمكين الحقيقي ليس ديكورًا

التمكين السياسي لا يتحقق بزيادة عدد المقاعد، بل بزيادة جودة من يشغلونها.
ولا يتحقق بالشعارات، بل بالثقة في قدرات النساء اللاتي أثبتن حضورًا في كل مجالات الحياة—اقتصاديًا، وعلميًا، ومهنيًا.

إن إتاحة المساحات لصاحبات الرأي لا تُعد رفاهية، بل ضرورة وطنية؛ فالدولة التي تعمل بنصف طاقتها البشرية تفقد نصف فرصها للتقدّم.

رسالة أخيرة

التهميش السياسي ليس قضية نسوية فقط، بل قضية وطنية.
فحين يتم إقصاء المرأة القادرة، أو استبدالها بأخرى لا تملك الأدوات، فإننا لا نؤذي النساء فحسب… بل نؤذي مستقبل بلد يحتاج إلى كل صوت، وكل عقل، وكل يد قادرة على البناء.

Facebook
X
WhatsApp
Telegram

كلمات مفتاحية