حين تغلق الأبواب تبدأ قصص لا تروى وترتكب جرائم لا تترك أثراً مرئياً على الجسد لكنها تنخر في الروح وتغتصب حقاً أصيلاً من حقوق الإنسان: [الحق في الصحة والحياة.
العنف ضد المرأة ليس مجرد كدمة أو صرخة بل قد يكون قراراً يفرض عليها في أشد لحظات ضعفها أو إهمالاً قاتلاً يرتدي ثوب السيطرة الأسرية.
وفي خضم حملة الـ 16 يوماً لمناهضة العنف من الضروري أن نزيح الستار عن هذا الوجه الخفي للاعتداء ونؤكد أن القانون المصري يقف بالمرصاد ليس فقط لحماية جسد المرأة من الضرب بل لحماية حقها في اتخاذ قراراتها الصحية بحرية واستقلالية
قد يبدأ الأمر بسيناريو يبدو [عائلياً]
زوج يرفض أن تخضع زوجته لعملية جراحية ضرورية ربما بحجة توفير المال أو بدافع السيطرة الذكورية
هذا القرار الذي يتخذ نيابة عنها ليس مجرد خلاف أسري بل هو جريمة صامتة
فالمشرع المصري في المادة 242 من قانون العقوبات كان واضحاً حين جرم [الاعتداء على سلامة الجسد بأي وسيلة أخرى] غير الضرب ومنع العلاج هو إحدى أخطر هذه الوسائل التي قد تقود إلى الهلاك وهو فعل يرقى إلى مرتبة الإيذاء الجسدي والإهمال المتعمد
وعلى النقيض تماماً هناك عنف آخر يمارس باسم [الطب] نفسه حين تجبر المرأة على إجراء طبي لا ترغب فيه سواء كان تعقيماً قسرياً أو استخداماً إلزامياً لوسائل منع الحمل فإن هذا الفعل يمثل انتهاكاً صارخاً لحرمة جسدها التي صانها الدستور المصري في مادته 17 إن إرادة المريض هي حجر الزاوية لأي ممارسة طبية وعندما تغتصب هذه الإرادة يتحول المشرط الطبي إلى أداة للاعتداء ويقع الفاعل تحت طائلة القانون الذي يجرم المساس بحرية الآخرين
ولا يقتصر الأمر على المنزل بل يمتد ليشمل أروقة المستشفيات أحياناً
فالإهمال الطبي الذي تتعرض له امرأة أثناء الحمل أو الولادة أو التقصير في رعايتها كمريضة ليس مجرد [خطأ وارد] بل هو استهتار بحياة إنسان يعاقب عليه القانون فالمادتان 237 و 239 من قانون العقوبات تجرمان كل فعل أو إهمال يفضي إلى ضرر جسدي أو وفاة لتكون هذه النصوص سيفاً مسلطاً على كل من يستهين بسلامة مريض وتأكيداً على أن الرعاية الصحية ليست خدمة فحسب بل هي التزام قانوني لا تهاون فيه
لكن ماذا عن الجروح التي لا ترى؟ العنف النفسي المرتبط بالصحة قد يكون أشد فتكاً
السخرية من مرضها أو منعها من طلب الدعم النفسي أو الضغط المستمر الذي يجعلها تشعر بالعار من حالتها هو عنف يدمرها من الداخل
القانون لم يغفل عن هذا الأذى الخفي حيث تمتد نصوصه لتشمل الإيذاء النفسي الناتج عن التهديد والضغط المستمر مؤكداً أن السلامة النفسية جزء لا يتجزأ من حق الإنسان في الصحة
في النهاية يبعث القانون المصري برسالة قوية لا لبس فيها: جسد المرأة وصحتها ليسا ملكاً لأحد سواها
أي تدخل أو إكراه أو إهمال هو جريمة مكتملة الأركان.
إن الدفاع عن هذا الحق ليس مجرد واجب أخلاقي بل هو مسؤولية قانونية ومجتمعية وخطوة أساسية نحو بناء مجتمع يحترم إنسانية المرأة ويصون حقها في الحياة بكرامة وأمان.





