“ليلى” سيدة ثلاثينية بسيطة، تعمل في مجال الحرف اليدوية، كانت سعيدة بحياتها المستقرة، إلى أن نشرت إحدى صفحات الأخبار المحلية الساخرة على فيسبوك صورة لها وهي تضحك في لقاء عمل مع أحد زملائها، وتم تركيب الصورة مع تعليق ساخر لا أساس له عن “علاقة غير شرعية”.
كان الهدف من المنشور هو السخرية والبحث عن التفاعل السريع، لكن الكارثة بدأت عندما تحولت هذه السخرية إلى “حقيقة” في أذهان الناس.
بدأ الجيران يتحدثون، والهمسات انتشرت كالنار في الهشيم. لم يكتفِ البعض بالتنمر الإلكتروني، بل قام أحدهم بالاتصال بزوج ليلى وإخباره بالشائعة، مؤكداً أنها “حقيقة مؤكدة”.
تغيرت حياة ليلى في لحظة. الزوج، الذي فقد الثقة بسبب الضغط الاجتماعي والحصار الذي فرضته الشائعة، تحول إلى شخص آخر. بدأت الشكوك تنهشه، وتصاعدت المشاجرات حتى وصلت إلى العنف اللفظي والجسدي غير المبرر.
ليلى أصبحت ضحية مزدوجة: ضحية لشائعة رقمية كاذبة، وضحية لعنف واقعي ناتج عن هذه الشائعة. لقد أثبتت هذه الحكاية أن الكلمات الكاذبة التي تُنشر خلف الشاشات لها قدرة هائلة على التحول إلى أذى حقيقي يُدمي الأجساد ويُدمر البيوت.
القضية هنا هي كيف أصبح “الخبر الزائف” أو الشائعة على السوشيال ميديا أداة جديدة وفعالة في يد المجتمع لممارسة العنف والوصاية على المرأة، مما يهدد أمنها واستقرارها الأسري.
أولًا: الشائعة كأداة للعنف الموجه. الشائعة الموجهة ضد المرأة، خاصة تلك التي تمس شرفها أو سمعتها، لا تظل في الفضاء الرقمي. إنها تُستخدم كـ “مبرر اجتماعي” لتبرير العنف ضدها من قبل أفراد عائلتها أو مجتمعها. فالأفراد يشعرون أنهم “مجبرون” على اتخاذ إجراءات عنيفة “لغسل العار” الذي فرضته الشائعة، حتى لو كانت كاذبة.
ثانيًا: تحويل الضحية إلى مُتهمة. في هذه السيناريوهات، غالبًا ما تتحول المرأة الضحية للشائعة إلى الطرف المُدان والمُتهم. بدلاً من أن يتم محاسبة ناشر الشائعة أو مصدرها، يتم توجيه كل اللوم والعنف إلى المرأة، ومطالبتها بـ “إثبات براءتها” من شيء لم تفعله أصلاً. هذا يرسخ الوصاية الاجتماعية ويقضي على حق المرأة في التعبير والعمل بحرية.
ثالثًا: تأثير “الترويج الأعمى” على العلاقات. المشكلة تكمن في سهولة ترويج الشائعات على السوشيال ميديا دون أدنى تحرٍ للمصداقية. الضغط الذي يمارسه “الجمهور” على الزوج أو العائلة بتحويل الشائعة إلى “حقيقة جماعية”، يُجبرهم على ردود فعل عنيفة وغير منطقية خوفاً من السخرية أو اللوم الاجتماعي. السوشيال ميديا هنا ليست مجرد وسيلة نشر، بل هي محرض جماعي.
ما الحل ؟
مواجهة هذا الخطر تتطلب وقفة حاسمة ضد مروجي الشائعات وتغيير طريقة تفاعل المجتمع معها، وذلك من خلال الآتي :
محاربة الشائعة بالوعي والتحقق. يجب أن نُفعّل “حس التحقق النقدي” قبل أن نصدق أو نشارك أي قصة تمس سمعة شخص ما، خاصة النساء. تذكر دائمًا أن الإشاعة هدفها التدمير والربح السريع. لا تكن أداة في يد مروجي الكذب.
إدانة العنف المبرر بالشائعة. يجب على المجتمع أن يرفض رفضًا قاطعًا استخدام الشائعة كـ “مبرر” للعنف ضد المرأة. يجب أن تكون الإدانة مُوجهة لمن يمارس العنف أولًا، ولمن يروج الشائعة ثانيًا، وليس للضحية.
تفعيل المسؤولية القانونية على مروجي الكذب. يجب تفعيل القوانين التي تُجرم التشهير ونشر الأخبار الكاذبة، ويجب على الضحايا الإسراع في توثيق هذه الشائعات قانونيًا وملاحقة من قام بنشرها أو ترويجها، لتكون رادعًا للآخرين.
ختامََا.. كلمة واحدة كاذبة يمكن أن تتحول إلى كدمة حقيقية، هل سنستمر في السماح للشائعات أن تحكم على حياة نسائنا، أم سنقف مع الحقيقة ونطالب بالأمان؟





