📅 ... 🕒 ...

دكتور سالي سعد تكتب : “الباسورد” سلاح العنف الجديد.. 16 يومََا من المواجهة

“يا دكتورة، أنا لم أُضرب بعصا، ولم أُحبس في غرفة، لكنني شعرت أنني أعيش داخل زنزانة رقمية.” هذه كلمات “نور” (30 عامًا)، وهي رائدة أعمال شابة، قررت أن تروي قصتها المؤلمة.

بعد خلاف مهني حاد مع أحد زملائها السابقين، تحولت حياتها الرقمية إلى جحيم. لم يقتصر الأمر على الشتائم والتهديدات المباشرة عبر البريد الإلكتروني، بل انتقل إلى مستوى أكثر فتكََا عن طريق إنشاء حسابات وهمية على منصات التواصل الاجتماعي لنشر شائعات مسيئة وتشويه سمعتها المهنية والشخصية.

اختراق حسابها الشخصي ومراسلة زملائها ورجال الأعمال باسمها لإحراجها وإفساد صفقاتها.

استخدام صور قديمة كانت قد شاركتها على انفراد والتهديد بنشرها في سياق يضر بسمعتها.

شعرت نور بأنها مطاردة في كل مكان، لم تستطع فتح هاتفها، لم تعد تثق بالرسائل الواردة، وبدأت تفقد عملاءها نتيجة “السمعة” التي رسمها لها المعتدي رقمياً.

تحولت قوة نور و ريادتها إلى خوف وعزلة، لأن المعتدي وجد في “شاشة الهاتف” أسهل وأخطر وسيلة لممارسة العنف ضدها دون أن يرفع يده.

القضية هنا هي أننا نعيش في عصر، أصبح فيه “العنف الرقمي ضد المرأة” شكلاً جديداً من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، وهو عنف يتسم بالخبث والانتشار السريع وغياب الحدود الجغرافية.

أولًا: انعدام الأمان في المساحات الرقمية، المرأة تتعرض لتهديدات متصاعدة في الفضاء الرقمي تشمل: الملاحقة الإلكترونية، التحرش، التهديد، التنمر، انتحال الشخصية، ونشر الصور الخاصة بدون موافقة . هذا العنف يهدف إلى تقييد حرية المرأة الرقمية والاجتماعية، وإجبارها على الانسحاب من المشاركة العامة والمهنية.

ثانيًا: ضعف القوانين وسرعة الجريمة

على الرغم من وجود قوانين للجرائم الإلكترونية، إلا أن وتيرة الجرائم الإلكترونية أسرع بكثير من آليات التحقيق التقليدية. يجد الضحايا صعوبة في إثبات هويات المعتدين (الذين يختبئون خلف حسابات وهمية)، كما أن سرعة انتشار المحتوى المسيء تجعل من المستحيل تقريباً “مسحه” بالكامل بعد نشره، مما يُلحق بالضحية ضرراً لا يمكن إصلاحه لسمعتها وحالتها النفسية.

ثالثًا: تأثير الصدمة الرقمية على الصحة العقلية

العنف الرقمي ليس مجرد “كلمات على الشاشة”، بل هو اعتداء حقيقي يمكن أن يسبب القلق، والاكتئاب، والعزلة، والتفكير في إيذاء الذات. فالمرأة تشعر بأن خصوصيتها قد انتهكت وأنها فقدت السيطرة على حياتها وصورتها، وهذا التهديد المستمر يجعلها تعيش تحت ضغط نفسي هائل.

ما الحل ؟ لتحقيق الأمان للمرأة في عالمنا المتصل، يجب أن نتصدى للعنف الرقمي بأدوات رقمية وقانونية قوية، وذلك من خلال الآتي:

التشريع والتطبيق الصارم،  يجب على الدول مراجعة وتحديث قوانين الجرائم الإلكترونية بشكل مستمر لتشمل بشكل واضح جميع أشكال التحرش والابتزاز والتشهير الإلكتروني ضد المرأة، مع فرض عقوبات رادعة وفورية على المعتدين، والعمل على آليات دولية للتعاون في ملاحقة المعتدين الذين ينطلقون من دول أخرى.

بناء “الوعي الرقمي الحصين” يجب أن يكون هناك تعليم وتدريب إلزامي لجميع النساء والفتيات على مهارات الأمان الرقمي (إدارة الخصوصية، حماية كلمات المرور، التفكير قبل النشر، وكيفية توثيق أدلة الابتزاز). يجب أن تتحول الحماية الرقمية إلى ثقافة ومهارة أساسية.

مسؤولية المنصات التكنولوجية لا يكفي أن تصدر شركات التواصل الاجتماعي “إرشادات مجتمعية”؛ يجب عليها أن تستثمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تكتشف وتحذف المحتوى المسيء والتحريضي بشكل استباقي وفوري، وتسهيل عملية الإبلاغ والرد على شكاوى المستخدمات بسرعة فائقة.

ختامََا.. يجب أن نتذكر أن الأمان لا يعني فقط الحماية الجسدية، بل يعني أيضاً أن تكون المرأة آمنة في المساحة التي تقضي فيها معظم وقتها: المساحة الرقمية. هل سنسمح بأن يصبح الهاتف سلاحاً ضدها، أم سنجعله أداة للتمكين والحرية؟

Facebook
X
WhatsApp
Telegram

كلمات مفتاحية