📅 ... 🕒 ...

دينا عامر تكتب: “لينك”.. الطلاق على الإبراء ووجع النساء بين النص والواقع

في مسلسل «لينك» تتقاطع حكايات النساء كخيوط دقيقة تُحاك على نولٍ من الألم والرجاء لكن تبقى فرح الزاهد، تلك المرأة التي نزفت في صمت الوجه الأكثر صدقا لمعاناة آلاف النساء اللواتي دفعن ثمن الحب مرتين، مرة حين ضحين من أجله، ومرة حين خُذلن بعده.

فرح ليست بطلة خيالية بل مرآة لامرأة مصرية واقعية صدّقت أن التضحية تُثمر وفاء وأن بيتها أمانها وأن سنوات العمر التي منحتها لزوجها ستكون جدارا يسندها لا جدارا يُهدم فوقها لكنها تستيقظ ذات صباح لتجد أن الشريك الذي كانت تحتمي به قد صار خصمها في معركة غير عادلة.

تزوج بأخرى وبدلا من أن يواجه ما اقترفه بإنصاف طلب منها أن تتنازل «على الإبراء» أن تفرغ الزواج من مضمونه أن تمنحه البراءة وهي التي لم ترتكب سوى الوفاء.

في عيون فرح يتجسد وجع امرأة ترى عمرها يتحول إلى ورقة تفاوض، بينما يطالبها زوجها بالطلاق دون حقوق تتمسك هي بحقها وحق أولادها لا عنادا بل كرامة.
تدرك أن العدالة تبدأ من التفاصيل الصغيرة: من نفقة تحفظ كرامة أطفالها ومن سكن آمن لا يُختزل في وعود جوفاء.
تقف صامدة أمام ضغوط اجتماعية تحاصرها بلغة اللوم فتُتهم بأنها «تريد الخراب» بينما الحقيقة أنها فقط تريد العدل.
معاناتها ليست عاطفية فحسب بل قانونية أيضا فهي تجسد المرأة التي تواجه منظومة قاسية تطالبها دائما بأن تكون المتسامحة الصابرة «الست العاقلة» التي تتنازل كي تسير الحياة.

لكنها في هذا العمل تختار طريقا آخر: طريق الوعي تتعلم أن التسامح لا يعني التنازل عن الحقوق وأن الصبر لا يعني السكوت على الظلم
في ملامح فرح نقرأ فصولا من قضايا كثيرة مرت علينا كمحاميات وحقوقيات نساء خسرن الأمان والكرامة في لحظة ووجدن أنفسهن وحدهن في مواجهة مجتمع يجيد تبرير خيانة الرجل لكنه لا يرحم انكسار المرأة.

تجسيد فرح الزاهد لهذا الدور لم يكن مجرد أداء تمثيلي بل حالة إنسانية نابضة: امرأة تتألم بصدق وتبكي بصوت مكتوم كأنه رسالة لكل امرأة قالت لنفسها «أنا السبب» بعد أن خُذلت ثم أدركت أنها كانت الضحية لا الجانية.

المسلسل لا يقدم وعظا مباشرا لكنه يفضح واقعا مؤلما: كم من سيدة فقدت زوجها وخسرت معه الأمان ثم طُلب منها أن «تتفاهم» وتتنازل لتُثبت حسن نيتها!
وكم من امرأة وُضعت أمام معادلة جائرة: إما التنازل عن حقها أو أن تتهم بأنها تعاند وتخرب البيت؟.

من هنا تتجاوز قصة فرح حدود الدراما لتصبح دعوة مجتمعية حقيقية لمراجعة مفهوم الطلاق على الإبراء وضرورة حماية النساء من استغلال هذا النص لإجبارهن على التنازل عن حقوقهن.
فالإبراء كما أفهمه كمحامية لا يكون عدلا حين ينتزع بالإكراه أو الخوف بل يتحول إلى أداة لإسكات المرأة وإفقادها حقها الأصيل في الكرامة والاختيار
ورغم كل هذا الوجع تبقى فرح واقفة.

في صمتها قوة وفي دموعها وعي وفي تمسكها بحقها كرامة أمة بأكملها، هي ليست مجرد زوجة خذلت بل رمز لكل امرأة اكتشفت أن النجاة لا تكون بالهروب بل بالمواجهة.

«لينك» في قصتها لم يكن رابطا إلكترونيا بل رابطا من الدروس الإنسانية والقانونية يربط بين كل امرأة وعيت قيمتها واستردت نفسها بعد أن ظنت أنها فقدتها إلى الأبد.
وهكذا تنتهي الحكاية لا بنهاية سعيدة ولا مأساوية بل بحقيقة واحدة: أن المرأة حين تُكسر، تنهض وحين تُظلم، تتعلم أن تكون قانونها العادل في وجه عالمٍ لا يمنحها إلا ما تنتزعه بقوتها.

Facebook
X
WhatsApp
Telegram

كلمات مفتاحية