📅 ... 🕒 ...

دكتور سلوى عثمان تكتب :”نصر أكتوبر.. عبور الإرادة وصناعة الوعي الوطني في وجدان الأجيال”  

حين نُعيد قراءة تجربة نصر أكتوبر 1973، فإننا لا نستحضر مجرد مشهد بطولي من الماضي، بل نستعيد درسًا خالدًا في قوة الإرادة المصرية، التي تتجدد مع كل جيل لتؤكد أن هذا الوطن لا يُهزم طالما ظل أبناؤه مؤمنين به، واعين لمسؤولياتهم تجاهه، ساعين لرفعته واستقراره.

إن أكتوبر لم يكن نصرًا عسكريًا فقط، بل كان انتصارًا للإنسان المصري بكل ما يملكه من وعي وإصرار وإبداع. كان عبورًا من الهزيمة إلى الأمل، ومن الانكسار إلى البناء، ومن الانفعال إلى الفعل، في ملحمة صنعها شعب بأكمله بقيادة واعية وشجاعة قادرة على اتخاذ القرار الصعب في الوقت المناسب.

 

روح أكتوبر.. مدرسة القيادة والوعي

أثبتت حرب أكتوبر أن القوة الحقيقية للأمم ليست في سلاحها فقط، بل في وعيها ووحدتها وإيمانها بقضيتها. فحين اتحدت إرادة القيادة مع إرادة الشعب، تحقق النصر، وكتب المصريون صفحة جديدة في تاريخهم الحديث.

لقد كانت تلك اللحظة التاريخية نموذجًا فريدًا في القيادة الواعية، التي آمنت بقدرات الإنسان المصري، فاستثمرت في ذكائه وحسه الوطني، وأعادت إليه ثقته بنفسه بعد سنوات من التحدي والمعاناة.

إن روح أكتوبر تظل مدرسة مستمرة للأجيال في معنى الانتماء والمسؤولية والقدرة على تحويل التحدي إلى إنجاز. وتكمن قيمتها الكبرى في أنها جسدت أعظم صور التكاتف الوطني، حيث انصهر الجيش والشعب في هدف واحد: استرداد الأرض والكرامة.

من عبور السلاح إلى عبور الوعي

اليوم، وبعد أكثر من خمسة عقود على هذا النصر العظيم، يقف جيل الشباب أمام معركة مختلفة، لكنها لا تقل أهمية عن معركة أكتوبر. إنها معركة الوعي والبناء والتنمية، التي تتطلب نفس الروح، ونفس العزيمة، ونفس الإيمان بقدرة الوطن على العبور نحو المستقبل.

فالشباب اليوم هم امتداد لجيل أكتوبر، وهم القوة التي تراهن عليها الدولة المصرية لتحقيق نهضتها الحديثة. والقيادة السياسية، برئاسة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تؤمن بأن الاستثمار في وعي الشباب هو السلاح الأقوى في مواجهة التحديات الفكرية والاقتصادية والمجتمعية.

إن المبادرات الوطنية المتعددة في مجالات التمكين، وريادة الأعمال، والتعليم، والتدريب، كلها تجسّد استمرار روح أكتوبر ولكن في شكلها المدني العصري؛ فكما عبر الآباء قناة السويس، يعبر الأبناء اليوم نحو المستقبل بالتكنولوجيا والمعرفة والعمل والإنتاج.

 

أكتوبر.. ذاكرة وطن ومسؤولية أجيال

إن الحفاظ على ذاكرة أكتوبر واجب وطني، لأنها ليست مجرد ذكرى عابرة، بل ركيزة في بناء الوعي الجمعي للمجتمع المصري. فالوعي بالتاريخ يعزز الانتماء، والانتماء يُنتج مواطنًا فاعلًا يدرك قيمة وطنه وواجباته تجاهه.

ولهذا، من المهم أن تُترجم ذكرى أكتوبر في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام إلى برامج توعية وتثقيف، تُظهر للأجيال الجديدة أن النصر لم يكن صدفة، بل نتيجة تخطيط وتضحية وإيمان بالوطن.

وعلى المؤسسات الثقافية والتعليمية والإعلامية أن تُعيد إحياء الرموز الوطنية وقصص الأبطال بروح معاصرة، تُلهم الشباب وتربطهم بجذورهم، ليشعر كل شاب أنه امتداد لذلك الجندي الذي عبر وضحّى من أجل أن تظل مصر رايتها مرفوعة بين الأمم.

ومن نصر أكتوبر إلى نهضة الجمهورية الجديدة

عشنا مع تجربة أكتوبر ستظل حاضرة في ضمير الأمة، تلهمنا في كل تحدٍّ، وتذكّرنا بأن النصر يصنعه الإيمان والوعي والعمل.

واليوم، ونحن نعيش مرحلة بناء الجمهورية الجديدة، فإننا بحاجة إلى استدعاء نفس الروح التي خاض بها أبطال أكتوبر معركتهم — روح الثقة والاتحاد والتضحية — كي نواصل معركتنا من أجل التنمية والعدالة والكرامة.

إن الأجيال الشابة حين تتعلم من أكتوبر معنى الإرادة الوطنية، ستدرك أن حب الوطن ليس شعارًا يُرفع في المناسبات، بل التزام ومسؤولية، تبدأ من الإتقان في العمل، والحرص على الوعي، والإيمان بأن مصر التي انتصرت في الحرب قادرة على أن تنتصر في معركة التنمية، ما دامت إرادة أبنائها صادقة وعزيمتهم .

دكتور سلوى عثمان

المحاضر ومدرب الإعلام الاجتماعي – أمين مساعد المرأة المركزية بحزب العدل

Facebook
X
WhatsApp
Telegram

كلمات مفتاحية