📅 ... 🕒 ...

دينا عامر تكتب: قانون الأحوال الشخصية.. حين تصبح الحقيقة درعًا في وجه عواصف الشائعات

بصفتي محامية، أقف كل يوم على خط التماس بين نصوص القانون وجراح الواقع الإنساني.

أرى في وجوه موكلاتي وموكليني حكايات لا ترويها أوراق القضايا؛ حكايات عن أحلام بنيت ثم تصدعت، وعن روابط مقدسة تحولت إلى ساحات للنزاع.

في أروقة محاكم الأسرة، لا نتعامل مع أرقام أو مواد قانونية جامدة، بل مع قلوب مكسورة ومصائر معلقة.

ولهذا السبب تحديدًا، أشعر بمسؤولية مضاعفة حين أرى هذا الواقع المؤلم يُستغل كوقود لحرب من نوع آخر، حرب تُشن في العالم الرقمي، سلاحها الشائعة، وهدفها إثارة الفوضى والهلع حول أي محاولة لإصلاح قانون الأحوال الشخصية.

لقد تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى محكمة شعبية تصدر أحكامًا متسرعة، وتتناقل “معلومات” هي في حقيقتها طعنات توجه إلى قلب الاستقرار المجتمعي.

تنتشر الشائعات كالنار في الهشيم، لأنها تخاطب أعمق مخاوفنا.

فهناك من يروج لـ “ضريبة زواج” باهظة تصل لخمسين ألف جنيه، مستغلًا قلق الشباب المقبل على بناء حياة جديدة، متجاهلًا أن الحديث الرسمي يدور حول صندوق يهدف لحماية الأطفال عند الطلاق، وليس لجباية الأموال.

وهناك من يصور “الاستضافة” كعملية خطف ممنهجة للأطفال من أحضان أمهاتهم، متلاعبًا بأقدس غريزة إنسانية، بينما الحقيقة أن أي تشريع مقترح يضع “مصلحة الطفل الفضلى” كبوصلة، مع عقوبات رادعة لمن يسيء استخدام هذا الحق.

والأخطر من ذلك، هو تلك الشائعات التي تلعب على وتر الصراع الأزلي بين الرجل والمرأة.

فتارةً يصورون القانون الجديد وكأنه مؤامرة لـ “طرد الزوجة” من مسكنها وحرمانها من حقوقها، وتارةً أخرى يروجون لـ”مكافآت طلاق” خيالية، وكأن الزواج صفقة تجارية والطلاق مكسب مادي.

هذه الأكاذيب لا تهدف إلا لزرع الشقاق وتعميق الانقسام، وتحويل النقاش من حوار بنّاء حول الإصلاح، إلى معركة صفرية لا غالب فيها إلا الخراب.

إن ما لا يدركه مروجو هذه الشائعات، أو ربما يدركونه جيدًا، هو الأثر المدمر لكلماتهم على أرض الواقع.

لقد رأيت بأم عيني أزواجًا يعجلون بإجراءات الطلاق بناءً على “نصيحة” من منشور على فيسبوك، وفتيات يعشن في رعب من فكرة الزواج خوفًا من قوانين لم تصدر بعد.

هذا العبث الرقمي له تكلفة إنسانية باهظة، تكلفة لا تُقاس بالمال، بل بسنوات من المعاناة وضياع الحقوق.

بعيدًا عن هذا الضجيج، فإن أي إصلاح حقيقي يطمح إلى تحقيق التوازن.

فالقانون العادل ليس الذي ينتصر للمرأة على الرجل، أو العكس، بل هو الذي يعيد تعريف المسؤولية المشتركة.

هو الذي يحفظ للرجل قوامته الحقيقية، قوامة الرعاية والمسؤولية لا التسلط، ويصون للمرأة كرامتها وشراكتها الكاملة في بناء الأسرة.

هو الذي يضمن للطفل أبًا حاضرًا وأمًا آمنة، حتى وإن انفصلت مساراتهما.

المقترحات الجادة التي تدور في فلك النقاش الرسمي، كنقل الوصاية المالية للأم، وتقدم ترتيب الأب في الحضانة، وتوحيد إجراءات التقاضي، كلها تصب في هذا الاتجاه؛ اتجاه يرى الأسرة ككيان يستحق الحماية، لا كغنيمة يتم اقتسامها.

من قلب قاعات المحاكم، ومن عمق التجربة الإنسانية، أوجه رسالتي إلى كل بيت مصري: لا تسمحوا للشائعة أن تهدم ما لا يستطيع أعتى الخلافات هدمه. لا تجعلوا من شاشات هواتفكم مصدرًا لتشريع حياتكم. الحقيقة تتطلب جهدًا للوصول إليها، وهي دائمًا أكثر هدوءً من صخب الأكاذيب.

تحققوا، اسألوا، واستمعوا لصوت العقل والمنطق.

إن بناء جدار من الوعي حول أسرنا هو خط الدفاع الأول والأخير في مواجهة هذه العواصف.

فالدفاع عن الحقيقة ليس مجرد خيار، بل هو واجب لحماية مستقبل أطفالنا واستقرار مجتمعنا.

 

دينا عامر.. المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة

Facebook
X
WhatsApp
Telegram

كلمات مفتاحية