برغم من الجانب المظلم للتكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، إلا أننا لانستطيع إنكار تأثير “السوشيال ميديا” على ملف التحرش الجنسي، والتي قامت بما لم تستطيع فعله مؤسسات ومنظمات عملت لسنوات على هذه القضية، وكان لها الدور الأكبر في كسر حاجز الخوف لدى الفتيات، والتمرد على ثقافة الصمت.
لطالما كانت الفتيات والنساء يخشين البوح والحديث عن حالات الاعتداءات اللاتي يتعرضن لها، سواء في الأماكن العامة أو الجامعات أو بيئة العمل أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك خوفا من عدم تصديقهم أو من وصمة العار التي قد تلاحقهن، إلا أن حملات السوشيال ميديا والسلوك الجمعي المشجع، دفع بالكثير من الفتيات إلى رواية وسرد قصص التحرش والانتهاكات التي تعرضن لها، مما لاقى دعما ومساندة من الرأي العام؟
ومن هنا أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي قوة لايستهان بها في مواجهة ظاهرةالتحرش، وبدأت المؤسسات والمنظمات تعترف بدورها وتضعها في الاعتبار عند صياغةالسياسات الخاصة بمناهضة التحرش الجنسي.
كما بدأت بإطلاق خطط وحملات رقمية عبر تلك المنصات، واعتبرت السوشيال ميديا أداة أساسية للتأثير المجتمعي ومناصرة الناجيات .
وتحولت بالفعل العديد من قضايا التحرش الجنسي في مصر إلي قضايا رأي عام بفضل ما أتاحته السوشيال ميديا من مساحة للبوح والتضامن والضغط المجتمعي.
وأجبرت هذه المنصات الجميع، من أفراد ومؤسسات ومنظمات وحتى أجهزة الدولة، على مواجهة التحرش بجدية بعد أن كشفت جوانبها وخفاياها وكوارثها.
وبات صانع القرار يدرك جيدا إلى أهمية هذه المنصات وتأثيرها ويتفاعل معها ومع القصص والشهادات ويستجيب لدعم الناجيات.
وعلينا أن نعترف جميعا، أن السوشيال ميديا ساهمت فى تغيير شكل مقاومة التحرش الجنسى، فأصبح من السهل على الفتاة أن تبلغ وتعرف حقوقها وتشعر بأنها ليست وحدها، وإذا لم تستطع الحصول على حقها بالقانون، فإن الضغط الشعبي عبر المنصات قد يحول قضيتها إلى قضية رأي عام، خاصة في الحالات التي يكون فيها المتحرش صاحب نفوذ أو سلطة، أو مديرًا في العمل.
في هذه الحالات، توفر السوشيال ميديا دعما معنويا ومعرفيا، وتعرف الضحية بحقوقها، وطرق الإبلاغ، والجهات التي يمكن اللجوء إليها.
في المقابل، أصبح المتحرش يخشى من الفضيحة، لأن السوشيال ميديا لعبت دورًا كبيرا في رفع الوعي حول هذا الملف، وكانت أكثر فاعلية من الإعلام التقليدي، بفضل تفاعلها السريع، وصداها المباشر، وانتشارها الواسع الذي يصل إلى شرائح متنوعة من المجتمع.
علينا أن نعترف بأن السوشيال ميديا كسرت الكثير من الحواجز، وغيرت النظرة المجتمعية، فأصبح من الواضح أن المتحرش هو المجرم، وأن الفتاة هي الضحية التي تحتاج إلى الدعم والمساندة، لا الاتهام أو التشكيك أو الوصم كما كان يحدث في الماضي.
ومع ذلك، لا يعني ذلك أن الفكر الذكوري قد انتهى، فما زال قائما لدى البعض، وقد يكون هو التحدي الأكبر في هذا الملف، رغم وجود تشريعات وقوانين قوية لحماية النساء في مصر، إلا أن الثقافة المجتمعية المغلوطة تظل عائقا كبيرا، وتحتاج إلى جهد توعوي كبير على الأرض، وإلى مخاطبة الرجال بشكل مباشر عبر رسائل وحملات تعيد تشكيل الصورة الذهنية عن المرأة، وتفكك المعتقدات المغلوطة المتجذرة في أذهان الكثيرين.
وفي النهاية، لا يمكن إنكار الأثر الإيجابي للسوشيال ميديا في ملف التحرش الجنسي في مصر، لكن تركها دون توجيه قد يؤدي إلى تيارات مضادة أو فوضى، لذا، فإن التعامل معها يجب أن يكون في إطار منظومة متكاملة، بحيث تدرك الجمعيات النسوية ومؤسسات الدولة أهميتها، وتوظفها بذكاء لضمان وصول الرسائل التي تحارب التحرش وتعزز مناخ الأمان والدعم للناجيات.